في تلك الحقبة من الزمن، يروي الكاتب البريطاني باتريك سيل أن سوريا كانت تعاني من عزلة دولية غير مسبوقة عقب إخماد تمرد حركة “الإخوان المسلمين” عام إثنين وثمانين وتصاعد عداء النظام العراقي، بالتوازي مع الأحداث اللبنانية التي شكلت مسرحًا إقليميًا ودوليًا مفتوحًا أرادت منه أطراف عديدة كسر شوكة سوريا.
بعد أشهر قليلة على موجة التفجيرات، أعدّ مركز تابع لقسم “القضايا الاقليمية” في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي أي إيه” وثيقة تم تصنيفها على أنها بالغة السرية تحت عنوان“سوريا: سيناريوهات تغيير سياسي دراماتيكي”.
هي واحدةٌ من 900 ألف وثيقة رفعت وكالة الاستخبارات المركزية السرية عنها ونشرتها أخيرًا على موقعها على الانترنت.
وفي حين تقارب الوثيقة موقف إسرائيل والاتحاد السوفياتي ولبنان من سيناريو الحرب السورية، فإنها تلخص المصلحة الأميركية من أحداث السيناريو بوصول “نظام سني يقوده رجال أعمال معتدلون”، بحسب تعبير الوثيقة، التي ترى في هكذا نظام فرصةُ “لعلاقات قوية مع الحكومات الغربية”.في 25 صفحة، يتناول السيناريو الأميركي مواقف كل الأطراف المعنية بالانقلاب المزعوم في سوريا. آنذاك، اعتبرت واشنطن أن نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين سيشكل محور دعم لزعزعة استقرار حكم الأسد الأب، بالتزامن مع رهان واضح على انشقاقات واسعة في الجيش السوري.
وبعد كل سيناريو تضعه الوثيقة الرسمية الأميركية للإطاحة بالأسد، تذكر مجموعة مؤشرات للأخذ بعين الاعتبار.
فعندما تطرح إمكانية استلام رفعت الأسد الحكم، تتحدث عن أعدائه الكثيرين في النظام، وفي مقدمهم رئيس شعبة المخابرات العسكرية الاسبق “علي دوبا” لتخلص إلى أن البديل عن رفعت سيكون مجموعة من الضباط العلويين؛ النتيجة التي لا تعلق عليها الوثيقة بشكل مباشر لتنتقل إلى سيناريو أخر يعتمد على العامل الإسرائيلي.
السيناريو الثالث يعتمد على الفتنة الداخلية من خلال تسيير تظاهرات “احتجاجا على سياسة التمييز ضد المسلمين السنّة”، بحسب تعبير الوثيقة الحكومية الأميركية.
وبعد مدّ النظام العراقي للمعارضين بالسلاح، تدخل سوريا في دوامة من العنف والتفجيرات في مناطق السنّة والعلويين، وتؤدي الحرب الأهلية إلى انشقاق مجموعات واسعة من الجيش والانضمام إلى الجماعات المعارضة المسلحة.
تقدّر الوثيقة الصادرة قبل ثلاثة عقود من الحرب السورية، بأن الرهان على جماعات المعارضة المسلحة سيصطدم بـ”مشاكل تنظيمية”، لكنها تراهن بشكل واضح ومباشر على استفزاز جنود وضباط في الجيش على طريق الدفع نحو حرب أهلية.حرب أهليةٌ سرعان ما تتطور لتشهد انخراطًأ إقليميا عبر تدفق المقاتلين والأسلحة عبر الحدود من الدول المجاورة.
التاريخ يعيد نفسه

في وثيقة مشابهة صادرة في كانون الأول من العام 2006 من السفارة الأميركية في دمشق وموجهة إلى عدة اجهزة ومؤسسات أميركية (من بينها السفارة الأميركية في اسرائيل)، تخضع الفسيفساء السورية للتحليل بهدف اكتشاف نقاط الضعف واستغلالها، ولكن هذه المرة مع وجود عامل اضافي يتمثل في “اللعب على المخاوف السنية من التأثير الإيراني” في سوريا.
وكالوثيقة السابقة الصادرة عام 86، تدعو وثيقة “ويكيليكس” الصادرة عام 2006 إلى تعزيز الشائعات ونظرية المؤامرة، من خلال “تشجيع الحلفاء الاقليميين كمصر والسعودية للقاء شخصيات كعبد الحليم خدام ورفعت الأسد وإرسال إشارات مع تسريب مناسب لهذه اللقاءات لاحقا”، بهدف إثارة مخاوف النظام السوري وزيادة ردات فعله.
تجدر الإشارة إلى أن خدّام ورفعت الأسد مذكوران بوضوح في وثيقة العام 86 على أنهما لاعبان أساسيان في مستقبل سوريا والصراع على السلطة.
على أن سيناريو وثيقة الاستخبارات المركزية، أي الوثيقة الأقدم زمنيا، يبلغ ذروته بتلمسه إمكانية قيام “مجموعات إسلامية متطرفة ومسلحة” وسعيها لإقامة نظام إسلامي “على الرغم من عدم توافق النظام الديني مع تقاليد (المجتمع) السوري”.
اتـرك تـعـلـيـق 0 تـعـلـيـقـات